التصعيد في السويداء: احتجاجات متصاعدة تضع دمشق أمام اختبار جديد

التصعيد في السويداء: احتجاجات متصاعدة تضع دمشق أمام اختبار جديد

التصعيد في السويداء يشهد تطورات لافتة تتجاوز الطابع المحلي إلى مستويات إقليمية محتملة، مع تصاعد الحراك الشعبي واتساع دائرة الرفض في الجنوب السوري. وفي ظل تمسك المحتجين بمطالبهم، وبقاء الدولة في موقف المراقب الحذر، بات هذا التصعيد يشكل لحظة فاصلة في العلاقة بين دمشق والمجتمع المحلي في السويداء، ويطرح تساؤلات جدية حول مستقبل الاستقرار في واحدة من أكثر المناطق حساسية في الخارطة السورية.

التصعيد في السويداء لم يعد مجرد أزمة محلية، بل مؤشر على اختلالات عميقة في بنية الحكم والتمثيل داخل الدولة السورية.

موجة التصعيد في السويداء تخرج عن الطابع المعيشي إلى السياسي

بدأت الاحتجاجات الحالية كرد فعل على التدهور الاقتصادي والمعيشي في المحافظة، لكنها سرعان ما تحولت إلى حراك سياسي واضح، بعدما رفع المتظاهرون شعارات تطالب بالتغيير الجذري والإصلاح الدستوري، وتنتقد أداء الدولة ومؤسساتها الأمنية والاقتصادية.

مئات المواطنين يتجمعون يوميًا في ساحة “السير” وسط مدينة السويداء، حاملين لافتات ترفض الفساد، وتدعو إلى دولة مدنية تحترم الحريات وتضمن الكرامة. وهذا التحول من مطالب معيشية إلى مطالب سياسية يعكس تصاعد الوعي السياسي لدى السكان، وكذلك تراجع الثقة بوعود الدولة، التي باتت تُعتبر فارغة أو تفتقر لأي مصداقية.

أبرز ملامح الحراك الحالي:

  • ارتفاع سقف الخطاب السياسي.
  • مشاركة شرائح اجتماعية واسعة، بما فيها النساء والمثقفين.
  • مقاطعة شبه كاملة لأي تواصل مباشر مع ممثلي السلطة.
  • دعوات متصاعدة لمقاطعة الانتخابات المقبلة في حال استمرار الوضع الراهن.

التحركات الأمنية تعمّق الشعور بالاستهداف

رد دمشق لم يكن عبر بيانات سياسية أو إجراءات إصلاحية، بل عبر تصعيد أمني بدأ بحواجز على مداخل المدينة، وتحريك وحدات مسلحة باتجاه أطراف المحافظة. وقد سجل سكان محليون مشاهد لتحركات مدرعات وعناصر من أجهزة أمنية تحاول اختراق بعض الطرق الحيوية، وسط تخوفات من تدخل عسكري مباشر لقمع الاحتجاجات.

في عدة مناطق محيطة بالمدينة، سُجلت اشتباكات خفيفة بين مجموعات مسلحة محلية – أبرزها “قوة مكافحة الإرهاب” – والوحدات الأمنية القادمة من الخارج. ورغم أن هذه المواجهات لم تتوسع بعد، إلا أن الاحتقان في الشارع يرتفع يومًا بعد آخر، مع ازدياد التوتر في الخطاب الشعبي، وتصاعد الغضب من محاولات الالتفاف على المطالب.

الاحتجاجات لم تعد تقتصر على المدينة الرئيسية، بل امتدت إلى بلدات مثل قنوات، وعتيل، وسهوة بلاطة، حيث جرى قطع عدد من الطرق احتجاجًا على التلويح باستخدام القوة.

موقف المرجعيات الروحية والقيادات التقليدية

القيادات الدينية الدرزية – وخاصة مشايخ العقل – تدخلت في الساعات الأخيرة، في محاولة لضبط الوضع وتفادي الانفجار. وقد أُصدرت عدة بيانات تدعو إلى:

  • وقف التصعيد الأمني الفوري.
  • احترام مطالب الشارع وفتح حوار جاد مع ممثلين حقيقيين عنه.
  • عدم استدراج المحافظة إلى الفوضى أو العمل المسلح.

لكن في المقابل، يشعر كثير من المتظاهرين أن هذه الدعوات غير كافية، ويعتبرون أن المرجعيات الدينية لم تمارس ضغطًا حقيقيًا على النظام لتغيير سياساته. كما أن بعض الشبان يرفضون الوساطة أصلاً، ويعتبرونها جزءًا من منظومة تقليدية لم تعد تعبّر عن طموحات الجيل الجديد.

اقرأ أيضا : اندلعت شرارة الحرب بعد اغتيال شخصية عسكرية فلسطينية بارزة،

الخلفية السياسية للتصعيد: غضب مكبوت منذ سنوات

رغم أن التغطية الإعلامية الرسمية تروّج لفكرة أن الاحتجاجات الحالية عفوية ومعيشية الطابع، إلا أن المراقبين يؤكدون أن ما يجري في السويداء هو نتيجة لتراكمات سياسية طويلة، بدأت منذ بدء الأزمة السورية، واستمرت بسبب:

  • التهميش المزمن للجنوب السوري في السياسات المركزية.
  • تقليص الحريات وغياب أي تمثيل حقيقي للمجتمع المحلي.
  • انسداد الأفق أمام جيل الشباب الطامح للتغيير.
  • شعور جماعي بالخديعة من الوعود المتكررة بالإصلاح.

ويمكن القول إن “التصعيد في السويداء” ليس مجرد لحظة غضب، بل هو تعبير عن شعور عميق بالخذلان من دولة لم تستطع، أو لم ترغب، في بناء علاقة ثقة مع مجتمع مختلف في بنيته وتركيبته وتاريخه.

البعد الإقليمي للحراك: عيون الخارج تراقب

ما يجري في السويداء لا يحدث في فراغ، بل تراقبه بدقة أطراف إقليمية ودولية، نظراً لأهمية الموقع الجغرافي للمحافظة:

  • الأردن يتخوف من أن يؤدي التصعيد إلى موجات لجوء جديدة أو فوضى على حدوده الشمالية.
  • إسرائيل تتابع بقلق التطورات على مقربة من الجولان المحتل، وتخشى من أي تغييرات مفاجئة في معادلة السيطرة.
  • الولايات المتحدة، التي تملك وجودًا عسكريًا في قاعدة التنف القريبة، تراقب عن كثب وقد تُفعّل أدوات الضغط حال تصاعد المواجهات.
  • روسيا، الحليف الأساسي للنظام، تبدو حذرة ومترددة، وتسعى إلى الحفاظ على استقرار الجنوب دون التورط المباشر.

كل هذه الأطراف، رغم تباين مصالحها، تتفق على أن التصعيد في السويداء يجب ألا يتحول إلى نزاع مسلح مفتوح، لما له من تأثيرات كارثية على المنطقة.

الخيارات أمام النظام: أزمة قرار

أمام دمشق اليوم عدة مسارات، وكل منها محفوف بالمخاطر:

  1. الخيار الأمني الكامل: سيؤدي إلى مواجهة مفتوحة، وقد يفجر الوضع في مناطق أخرى.
  2. التهدئة المؤقتة عبر الوسطاء: لكنها قد لا تصمد طويلًا دون قرارات جادة على الأرض.
  3. الحوار الحقيقي مع ممثلي الحراك: ويتطلب تنازلات سياسية غير مسبوقة، وهو الخيار الأصعب من حيث الكلفة السياسية.
  4. الاستنزاف البطيء: المراهنة على الوقت واستنزاف عزيمة الشارع، وهو ما قد يؤدي إلى عنف اجتماعي مفاجئ.

السويداء اليوم: مركز تحوّل وليس هامش اضطراب

لا يمكن النظر إلى السويداء على أنها حالة هامشية في الخارطة السورية. بل هي اليوم مركز جذب سياسي ومجتمعي يُعيد رسم العلاقة بين الدولة والمجتمع.
التصعيد في السويداء قد يكون بداية تغيير في نمط التعامل الرسمي مع المحافظات التي بقيت طويلاً خارج دائرة القرار، وربما يشكّل نواة لحالة سياسية سورية جديدة، قوامها الشارع الشعبي، لا التحالفات التقليدية.

هذا الحراك يكشف أن المطالب بالتغيير لم تختفِ، بل كانت تنتظر لحظة الانفجار. وها هي تأتي، من الجنوب الهادئ ظاهريًا، والغاضب داخليًا.


الأسئلة الشائعة (FAQ)

ما هي الأسباب المباشرة للتصعيد في السويداء؟

الاحتجاجات اندلعت بسبب تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، لكنها تحولت بسرعة إلى حراك سياسي نتيجة تراكم الغضب الشعبي من التهميش والفساد والانغلاق السياسي.

هل هناك تدخلات خارجية تدعم المحتجين؟

حتى الآن، لا توجد مؤشرات مؤكدة على دعم خارجي مباشر، لكن العديد من الدول تراقب التصعيد عن كثب نظرًا لأهمية السويداء الجغرافية والسياسية.

ما هو موقف الدولة السورية من الأحداث؟

لم يصدر رد رسمي سياسي واضح حتى اللحظة، فيما تتواصل التحركات الأمنية على الأرض وسط حالة من الصمت الإعلامي والرسائل غير المباشرة.

هل هناك خطر من اندلاع مواجهات مسلحة؟

الخطر وارد، خصوصًا مع تزايد التوترات وتحركات الأجهزة الأمنية، لكن حتى الآن، الأطراف الفاعلة داخل السويداء تحاول تجنب الصدام المباشر.

ما دور المرجعيات الدينية في تهدئة الأوضاع؟

مشايخ العقل والقيادات الروحية يبذلون جهودًا لتجنب العنف، لكنهم يواجهون تحديًا في إقناع الشارع الغاضب، الذي يرى أن الحل يجب أن يكون سياسيًا لا رمزيًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *